في يوم عرفة
في التاسع من ذي الحِجّة، في يوم عرفة، من السنة العاشرة للهجرة، وبينما الناس جميعاً يقفون في عرفات، يشهدون الموقف، ويشهد لهم الموقف، نزل الوحي بالإعلان الآتي:”الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا”، في عرفات اكتملت المعرفة، واكتمل العمل. أمّا البداية فقد كانت في غار حراء والرسول ﷺ في الغار وحده.
وبعد سنين وسنين، وبعد أن بُنِيَت الأمة لَبِنة لبنة، كان لا بدّ للبناء أن يكتمل في العلن، وفي ضوء الشمس. كيف لا، وقد أُخرِجت الأمّة وتخرّجت ؟! أمّا اليوم فإنّ كلّ الوقائع تُرهص بالاكتمال، كما يرهص الهلال باكتمال البدر، مع يقيننا بأنّ التاريخ لن يعيد نفسه، ومع يقيننا بأنّ أمّة الصحابة هي المثال البشري الأعلى الذي لن يتكرر، لأنّه وجد ليكون المقياس. ولكن المؤشّرات كلها تقول إنّ الغد، بإذن الله، خير من اليوم. وقد يَعجبُ البعض من هذا القول، كما عَجِب آخرون من بشريات الرسول ﷺ عندما حاصر الأحزابُ المدينة المنورة، وما علموا أنّ هذا الحصار، والذي كان يمثّل أوج الكيد الكُفريّ، هو في حقيقته وواقعه، الامتحان الذي سيتمّ بعده تخريج خير أمّة أخرجت من أجل الناس.