أمر الله تعالى نبيه محمدًا أن يبلغ قومه وأهله الدعوة إلى دين الإسلام، فأراد النبى أن يدعوا قبيلته ( بنى هاشم ) أولا ،
فجمعهم وكانوا حوالي أربعين رجلا يزيدونأرجلا أو ينقصون وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب ،
وقد صنع لهم من أطايب الطعام فأكلوا من ذلك وشربوا
وبعد فراغهم تخير النبى ? كلمات مناسبة فقال
” الحمد لله أحمده و أستعينه . وأومن به وأتوكل عليه ”
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ..
ثم قال :
إن الرائد لا يكذب أهله .
والله لو كذبت الناس ما كذبتكم ولو غررت الناس ما غررتكم .
والله الذى لا إله إلا هو ، إنى رسول الله إليكم خاصة والى الناس عامة .
والله لتموتن كما تنامون . ولتبعثن كما تستيقظون .
ولتحاسبن بما تعملون .. وإنها للجنة أبدًا أو النار أبدًا ” .
فلما رأى فيهم استغرابا قال لهم : ما أريد منكم إلا كلمة تحكمون بها العرب وتسودون بها العجم ،
فقال له أبو لهب: عشرٌ وأبيك،
(فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله
وهنا صاح أبو لهب بصوت حاد : هذه والله السوأة !!! خذوا على يديه قبل أن يأخذكم غيركم .
وأخذ يحرض الحاضرين عليه حتى رفضوا دعوة النبى الأمين .
وانصاع القوم – للأسف الشديد – لصياح أبى لهب وأعرضوا عن هذا الخير العميم الذي أراده لهم النبى .
وذهل النبى ? لما فعله عمه أبو لهب .
لقد كان عمه أبو لهب على علاقة متينة به قبل ذلك ، وعلم الرسول أن أبا لهب لن يسكت عنه .
وسيستخدم أسلحته كلها لمحاربته خاصة أنه من وجهاء القوم وأنه يتمتع بوجه يتلألأ حمرة وجمالا ، ولذلك لُقب أبو لهب رغم أن اسمه الحقيقى عبد العُزى بن عبد المطلب.
و أشفق النبى على دعوته وعلى نفسه فإذا كان عمه وهو أقرب الأقربين إليه يقول له ذلك فما بال الآخرين ؟!
لكنه فوض الأمر فى النهاية إلى الله يفعل ما يشاء .
ثم إن أبا لهب انصرف عن مجلس النبى .. وأخذ يدور على بنى هاشم واحدًا واحدًا يؤلبهم ويحرضهم على محمد .. ويريدهم أن يمنعوه من التفوه بهذا الكلام و إلا تعرضوا جميعًا للسخرية والعداء.
وبينما كان أبو لهب يفعل ذلك إذا بمنادٍ ينادى الناس للاجتماع بصوت منذر لهم وأخذ الناس يذهبون متجهين إلى المكان الذي يأتي منه الصوت وهو جبل الصفا .
وجاء أبو لهب من ضمن قريش التي أتت عن بكرة أبيها ، وكان الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ، فوجدوا محمدًا واقفًا على هذا الجبل فقال لهم عليه الصلاة والسلام:
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟
قالوا : نعم ما جربنا عليك كذبا.
قال النبى : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا.
فأنزل الله فى شأنه: { تبت يدا أبى لهب وتب. ما أغنى عنه ماله وما كسب. سيصلى نارا ذات لهب } المسد:1-3
وأخذ الناس ينصرفون عن النبى ? وهو ينادى عليهم :
* يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله. لا أغنى عنكم من الله شيئا.
* يا بنى عبد المطلب! لا أغنى عنكم من الله شيئا.
* يا عباس بن عبد المطلب! لا أغنى عنك من الله شيئا.
* يا صفية عمة رسول الله! لا أغنى عنك من الله شيئا.
* يا فاطمة بنت رسول الله! سلينى بما شئت. لا أغنى عنك من الله شيئا
وكلما أراد رجل من القوم أن يقف ليسمع النبى ? يصرفه أبو لهب مسفها لرسول الله .
رجع أبو لهب إلى امرأته أروى بنت حرب بن أمية ( أم جميل) وهى امرأة من علية القوم وذات نسب وحسب فى قبليتها أيضًا ، فقد كانت أخت أبى سفيان بن حرب زعيم من زعماء قريش ، لكنها سليطة اللسان ويتحاشاها الجميع بسبب ذلك ،
فنظرت أم جميل إلى زوجها قائلة : علامّ اجتمع الناس اليوم ؟
فأخبرها أبو لهب بما حدث من شأن محمد .
فقالت : أو تتركونه يسب الآلهة ؟
وماذا نفعل يا أم جميل ؟
تأخذون على يده وتمنعونه ، وتؤذونه حتى يعرف أن الأمر جدٌ وليس بالهزل .
ثم خرجت امرأة أبى لهب إلى قبائل مكة وقد أطلقت على النبى ? اسمًا آخر وهو ” مذمم ” وهو فى المعنى عكس كلمة ” محمد ”
وأخذت تقول لهم :
مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا
وأخذت تمشى بين الناس بالنميمة ضد النبى ? .
وتجاوزت ذلك فقد كانت تترقب طريقه وتسبه .
وكانت تعيره بالفقر .
بل كانت تضع الشوك والأذى فى طريق النبى ? .
فأنزل الله في حقها :
” وامرأته حمالة الحطب . فى جيدها حبل من مسد ” المسد 4 : 5
ولم تتوانى هذه المرأة فى إيذاء النبى ? حتى أنها كانت إذا عثرت تقول : تعس مذمم .
وقد قال النبى ? أن الله قد أوحى لها أن تطلق عليه اسم “مذمم ” حتى يحفظ اسم ” محمد ” من أن يناله الأذى منهم.
وقد نصر الله نبيه وحماه من هذه المرأة السليطة كثيرًا .
و إليك هذه الحادثة العجيبة :
جاءت امرأة أبى لهب ولها ولولة وفى يدها فهر ، ورسول الله ? جالس ومعه أبو بكر .
فقال له أبو بكر : قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك ، لو تنحيت لا تؤذيك بشئ .
فقال رسول الله ? ” إنه سيحال بينى وبينها ”
فأقبلت حتى وقفت على أبى بكر ، فقالت :
يا أبا بكر هجانا صاحبك .
فقال أبو بكر : لا ورب هذه البيت ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به.
فقالت : إنك لمصدق
فولت وهى تقول قد علمت قريش أنى ابنة سيدها
قال أبو بكر : ما رأتك ؟!
قال ? : لا . ما زال ملك يسترني حتى ولت ”
ويا له من موقف عجيب أن يكون النبى ? مع صاحبه أبى بكر الصديق ? وتأتى أم جميل فترى أبا بكر فقط ولا تبصر النبى ? مما جعل أبا بكر يتعجب .
وكانت قبائل العرب الأخرى تأتى مكة لأداء الحج والعمرة فلم يكتفى أبو لهب بما فعله . بل كان يذهب الى كبراءهم ويقول لهم أن محمدًا ? ابن أخيه وأنه صبأ عن دين الأباء والأجداد وأنه ساحر أو شاعر أوكاهن فلا تسمعوا له فأنا عمه وأعلم الناس به .
وكان يقيم لهذه القبائل الحفلات الماجنة حتى يشغلهم بماله عن دعوة الله .
بل تفرغ تماما فى مواسم الحج والعمرة ليصد الناس عنه .
ويخبرنا أحد الذين رأوا هذا المشهد فيقول : رأيت النبى ? فى الجاهلية فى سوق ذى المجاز وهو يقول : ” يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ” والناس مجمعون عليه ووراءه رجل وضئ الوجه أحول ذو غديرتين يقول : إنه صابئ كاذب يتبعه حيث ذهب.
فإذا فرغ النبى ? من مقالته .
قال أبو لهب بعده : أنا عم هذا الرجل الساحر الأفّاك المأفون لا تصدقوه أنا عمه عبد العزى أبو لهب لو صدقتموه لسحركم .
فكان الناس يقولون وقد أوشك الإيمان أن يلامس قلوبهم كانوا يقولون: لو كان في هذا الفتى خير لكان فيه خير لعمه وأهل الرجل أدرى به.
وكان يقول : إن كان ما يقوله ابن أخى هذا حقا فإنى أفتدى بمالى من عذاب يوم القيامة .
وكان الرد القرآنى شديدًا عليه إذ قال الله :
( ما أغنى عنه ماله وما كسب )
وكان البون بين أبى طالب وبين أبى لهب كبيرًا ، حيث إن أبا طالب حمل قومه بنى هاشم أن يدافعوا عن النبى ? . وأكثر من ذلك فإن قريشًا فرضت حصارًا ومقاطعة عن المسلمين فى مكان منعزل يسمى شعب أبى طالب .
و دخل أبو طالب عم النبى ? وجميع بنى هاشم مع المسلمين فى هذا الشعب رغم أنها كانت ظروفًا قاسية جدًا لدرجة أن كثيرًا منهم هلك من شدة الجوع .
والتزم جميع بنى هاشم بذلك إلا القليل جدًا منهم أبو لهب الذى خرج من الشعب وأعان المشركين على مقاطعة المسلمين ، فلما خرج لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة .
فقال : يا ابنة عتبة هل نصرتُ اللات والعزى ؟
قالت : نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة !
قال : إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة ، يزعم أنها كائنة بعد الموت . فأنَّى ذلك ؟
وظل أبو طالب يقوم بدور المدافع عن النبى ? حتى وفاته.
وقد قال النبى ? : ما نالت منى قريشٌ نيلا حتى تُوفى أبو طالب .
فانكشفت الحماية عن النبى ? وآلت الزعامة إلى أبى لهب فقال له إخوته : لو عضدت ابن أخيك لكنت أولى الناس بذلك.
وبينما كان أبو لهب يفكر فى الأمر لقى النبى ? فسأله قائلا :
يا ابن أخى أخبرنى عمن مضى من الآباء ؟
فقال النبى ? : إنهم كانوا على غير دين.
فغضب أبو لهب وتمادى على عداوته.
و لأن الله – الذى يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون – قد علم أن أبا لهب لن يؤمن أبدًا فى أى مرحلة من حياته لذا أنزل على رسوله ? منذ بداية الدعوة الإسلامية سورة المسد التى تتوعد أبا لهب وامرأته بالعذاب فى الآخرة .
وفى ذلك معجزة ظاهرة ودليل واضح على صدق النبوة . إذ لم يؤمن أبو لهب أبدا ، ولا امرأته آمنت ولا كلاهما ، بل ظلا على ما هم عليه ليصدق فيهما قول الله بأنهما من أصحاب النار .
ومرت الأيام و هاجر النبى ? من مكة إلى المدينة وكذلك أصحابه من شدة أذى قريش لهم .
وبقيت مكة بكبراءها الذين رأوا أن محمدًا ? وأصحابه بالمدينة يمثلون خطرًا على مصالحهم .
وبينما الناس فى مكة يعيشون حياتهم اليومية وكانوا قد أرسلوا تجارة لهم بقيادة أبى سفيان بن حرب إذ هالهم ضمضم بن عمرو الغفارى الذى جاء ليخبر القوم عن
قافلتهم الذي تعرض لها محمد ? وأصخابه .
واستطاع ” ضمضم ” هذا إزعاج البلدة كلها : فقد وقف على بعيره بعد أن جدع أنفه . وحوَّل رحله ، وشقّ قميصه ، يصيح : يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة !
أموالكم مع أبى سفيان ، عرض لها محمد ? وأصحابه لا أرى أن تدركوها .. الغوث الغوث !
ونفرت مكة بأسرها إلى حرب الإسلام ، حتى أن الرجل الذي لم ينفر للحرب أرسل بديلا أجيرا يحارب عنه .
وقد أرسل أبو لهب بديلا يقاتل عنه على نفقته الخاصة .
ورغم أن القافلة قد نجت إلا أن أبو جهل زعيم المشركين أصر على القتال وعلى ملاحقة المسلمين .
وآلت الدائرة فى يوم بدر على الكافرين فهُزموا شر هزيمة . وقُتل فى بدر كبراء قريش الذين حضروا المعركة ومن بينهم زعيمهم أبى جهل .
ووصل الخبر إلى مكة فكان صدمة لهم ومفاجأة بجميع المقاييس . ولم يتحمل هذه الصدمة أبو لهب فلزم داره أياما حتى مات غمًا على قريش .
وبذلك انطوت صفحة من صفحات الكفر بموت عدو الله وعدو رسوله أبى لهب .
واستراح المسلمون منه ومن شره المتزايد .
وبقيت حكايته فى كتاب الله هو وامرأته أم جميل تُتلى على مر الأيام والأزمان فيلعنهما الناس جزاءًا وفاقًا لأعمالهم الدنيئة، ويعلم الناس أن مصيره فى نار ذات لهب .
وبدلا من أن تحميه زوجته من عذاب النار فإنها ستحمل أعواد الحطب فى جهنم لتلقيها عليه ليزداد عذابا كما ساعدته فى الدنيا على إيذاء أفضل الخلق أجمعين .
أما امرأته أم جميل التى كانت لها قلادة تفاخر بها الناس وكانت تقول لو لم أجد إلا ثمن هذه القلادة لبعتها لأنفق ثمنها على محاربة محمد ? . فسوف تتطوق بسلسلة من نار فى عنقها (جيدها) ، وبذلك يكون الجزاء من جنس العمل .
وبعد موته رآه بعض أهله فى المنام فسأله عن حاله فأخبره أنه يتقلب فى مآسى الجحيم . غير أنه يخفف عنه أحيانًا لأنه أعتق ثويبة جاريته التى أرضعت النبى ? .
ويتبين لنا من قصة أبى لهب هذا أن الإسلام لا يقيم وزنا لشكل الإنسان الخارجى ولا لصورته ولا لحسبه ولا لنسبه .
فقد كان أبو لهب من أجمل الناس ومن أعلى الناس نسبا وكان عمًا للنبى ? ومع ذلك لم يرفعه ذلك بل كانت هذه الأشياء وبالا عليه .
* وكان من بين الصحابة أقوامًا ضعافا وربما من العبيد السود ومع ذلك ارتفعوا بأعمالهم الصالحة إلى أعلى الدرجات .
* ومن الناس من يكون ذا هيئة حسنة وذا مكانة فى قومه وذا مال وجاه فيستخدم ذلك فى الخير فنعم الرجل .
* ومن الناس من يجمع بين سوء الصورة والشكل وسوء العمل والطوية فبئس الرجل عند الله والناس .
المهم أن الفيصل فى ذلك كله هو عمل الإنسان
قال رسول الله ? “إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم “
و هكذا بقيت دعوة الإسلام شامخة لم يستطع أبو لهب ولا امرأته ولا أعوان الكفر على مر الأيام والسنين أن ينالوا منها .
فدعوة الله كالسماء فى ارتفاعها وجلالها . ولو تحول الناس كلهم إلى كنّاسين
ليهيلوا التراب على السماء لأهالوا التراب على أنفسهم و لظلت السماء هي السماء .
اسمه (عبد العزى) وكنيته (أبو لهب) وقيل إنه كّني بذلك لحمرة كانت في وجهه.
وامرأته (أم جميل) أخت أبي سفيان، وكانت من أشّد الناس عداوة وأقذعهم لسانًا تجاه النبي (ص) ودعوته.
وفي الرّواية عن (طارق المحاربي) قال: بينما أنا بسوق ذي المجاز إذا بشاب يقول: (يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) وإذا برجل خلفه يرميه قد أرمى ساقية وعرقوبيه ويقول: يا أيّها النّاس إنه كذاب فلا تصدقوه،فقلت: من هذا؟ فقالوا: هو محّمد يزعم أنّه نبي، وهذا عمّه أبو لهب يزّعم أنه كذاب.
وفي رواية عن (ربيعة بن عباد) قال: كنت مع أبي أنظر إلى رسول الله (ص) يتبع القبائل، ووراءه رجل أحول وضيء الوجه.يقف رسول الله (ص) على القبيلة فيقول: (يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به) وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه: يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى وحلفاءكم من الجن، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه، فقلت لأبي من هذا؟ قال: عمّه أبو لهب.
أبو لهب يتتبع النبيّ كالظل:
كلما جاء وفد إلى النبي(ص) يسألون عن عمّه أبي لهب-اعتبارًا بكبره وقرابته وأهميته- كان يقول لهم: إنه ساحر، فيرجعون ولا يلقونه، فأتاه وفد فقالوا: لا ننصرف حتى نراه، فقال: إنا لم نزل نعالجه من الجنون فتبًا له وتعسًا.
إنّ أبا لهب كان يتتبع النبي(ص) غالبًا كالظل. وما كان يرى سبيلاً لإيذائه إلاّ سلكه. وكان يقذعه بأفظع الألفاظ. ومن هنا كان أشذّ أعداء الرسول والرسالة. إنّه الوحيد الذي لم يوقع على ميثاق حماية بني هاشم للرسول(ص) ووقف في صف الأعداء، واشترك في عهودهم.
تبت يدا أبي لهب:
عن أبن عباس قال: عندما نزلت ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(1) أمر النبي(ص) أن ينذر عشيرته ويدعوهم إلى الإسلام (أي أن يعلن دعوته).
صعد النبي(ص) على جبل الصفا ونادى: (يا صباحاه) -وهو نداء يطلقه العرب حين يهاجمون بغتة كي يتأهبوا للمواجهة، وإنما اختاروا هذه الكلمة لأن الهجوم المباغت كان يحدث في أوّل الصبح غالبًا-.
عندما سمع أهل مكة هذا النداء قالوا: من المنادي؟ قيل: محمد. فأقبلوا نحوه وبدأ ينادي قبائل العرب بأسمائهم، ثم قال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدوّ مصبحكم وممسيكم، أما كنتم تصدقوني.
قالوا:بلى
قال: فإني نذير لكم من بين يدي عذاب شديد.
فقال أبو لهب: تبًّا لك لهذا دعوتنا جميعًا؟!
فأنزل الله سورة المسد.
والقرآن يرد على هذا الإنسان البذيء ويقول له: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ*مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾(2) ، فليس بإمكان أمواله أن تدرأ عنه العذاب الإلهي ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾(3)
من الآية الأولى نفهم أنّه كان ثريًا ينفق أمواله في محاربة النبي(ص)، وأبو لهب ناره ذات لهب يصلاها يوم القيامة، وقيل: يصلاها في الدنيا قبل الآخرة.
حمّاله الحطب:
﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ*فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾(4)
القرآن الكريم يتحدث عن أم جميل امرأة أبي لهب وأخت أبي سفيان وعمّة معاوية، ويصفهّا بأنّها تحمل الحطب كثيرًا وفي رقبتها حبل من ليف النخيل.
(مسد) هو الحبل المفتول من الألياف وقيل: حبل يوضع على رقبتها في جهّنم له خشونة الألياف وحرارة النار وثقل الحديد.
وقيل: إنّ نساء الأشراف كن يرين شخصيتهنّ في وسائل الزينة وخاصة القلادة الثمينة والله سبحانه وتعالى يُلقي في عنقها يوم القيامة حبل من ليف للإهانة. أو إن التعبير أساسًا للتحقير والإهانه. وقيل: إنّ هذه العبارة تشير إلى أن أم جميل أقسمت أن تنفق ثمن قلادتها الثمينة على طريق معاداة الرسول (ص) ولذلك تقرر لها هذا العذاب.
عبر في عاقبة أبي لهب:
جاء في الروّاية، أنّ أبا لهب لم يشترك في بدر، بل أرسل من ينوب عنه،وبعد اندحار المشركين وعودتهم إلى مكة، هرع أبو لهب ليسأل أبا سفيان عن الخبر،فأخبره أبو سفيان بالهزيمة وقال: (وأيم الله ما لُمت الناس، لقينا رجالاً بيضًا على خيل بلق بين السماء والأرض…) قال أبو رافع (مولى العباس) وقد كان جالسًا: تلك الملائكة، فرقع أبو لهب يده فضرب وجهه ضربة شديدة ثم حملّه وضرب به الأرض، ثم برك عليه يضربه وكان رجلاً ضعيفًا.
وما أن شهدت أم الفضل (زوجة العباس) وكانت جالسة أيضًا ذلك حتى أخذت عمودًا وضربت أبا لهب على رأسه وقالت: تستضعفه إن غاب عنه سيّده؟! فقام موليًا ذليلاً.
قال أبو رافع: فو الله ما عاش إلاّ سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة (مرض يشبه الطاعون) فمات. وقد تركه أبناه ليلتين أو ثلاثة ما يدفناه حتى نتن في بيته.
فلما عيّرهما الناس بذلك أخذ وغُسل بالماء قذفا عليه من بعيد، ثم أخذوه فدفنوه بأعلى مكة وقذفوا علية الحجارة حتى واروه.
كان لأبي لهب ثلاثة أبناء:
عُتبه
متعب
عُتـيبه
أسلم الاولان يوم فتح مكه، وأما ( عُــتيبه ) فلم يُسلم ، وكانت ( أم كلثوم ) بنت الرسول صلى الله عليه وسلم عنده، وأختها ( رقيه ) عند أخية ( عُـتبه ) فلما نزلت سورة ( المسد ) في حق ( أبي لهب ) قال ابوهما : رأسي من رأسكما حرام – أي لا أراكما ولا أكلمكما – إن لم تطلقا ابنتي محمد !! فطلقاهما
ولما اراد الشقي ( عُـتيبة ) الخروح إلى الشام مع أبيه قال : لآتين محمد فلأوذينه في نفسه ودينه، فأتاه فقال : يا محمد إني كافر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى ثم بصق امامه وطلق ابنته ( أم كلثوم )
فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( اللهم سلط عليه; من كلابك )
فأفترسه الاسد،
وهلك أبو لهب بعد وقعة بدر بسبع ليالي بمرض معد يسمى ( العدسة ) وبقى ثلاثة ايام لا يقربه أحد حتى أنتن، فلما خاف قومه العار حفروا له حفرة ودفعوه إليها بأخشاب طويله غليظة حتى وقع فيها ثم قذفوا عليه الحجاره حتى واروه فيها ولم يحمله أحد خشية العدوى فهلك كما أخبر عنه القرآن الكريم ومات شر ميتة
أما زوجته فهي( أم جميل ) وهي عوراء والاولى أن تسمى ( أم قبيح ) فهي ذكرت في سورة المسد بـ ( حمالة الحطب ) فقد كانت تحمل حزمة من الشوك والحسك فتنثرها بالليل في طريق النبي صلى الله عليه وسلم لإيذائه فقد كانت خبيثة مثل زوجها
وكانت تمشي بالنميمة بين الناس وتوقد نار البغضاء بينهم والعداوه ويحكى أن كان لها قلادة فاخرة من جوهر، فقالت : واللات والعزى لأنفقها في عداوة محمد، فأعقبها الله حبلاً في عنقها من مسد جهنم
ومن عجائب القصص والاخبار أن إمرأة ( ابي لهب ) لما سمعت ما أنزل الله في حق زوجها وفيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد الحرام ومعه ابوبكر الصديق وفي يدها قطعة حادة من الحجر تشبه السكين – فلما دنت من الرسول أعمى الله بصرها عنه فلم ترى إلا أبا بكر فقالت : يا أبا بكر بلغني أن صاحبك يهجوني أنا وزوجي، فوالله لئن وجدته لأضربن بهذا الحجر وجهه، ثم أنشدت ( مُذمماً عصينا، وأمره أبينا، ودينه قلينا ) أي أبغضنا ، ثم انصرفت..
فقال أبوبكر : يا رسول الله أما تراها رأتك ؟
قال : ما رأتني ! لقد أعمى الله بصرها عني
وكان المشركون يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم ويقولون : ( مذمماً ) بدل قولهم ( محمداً )
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تعجبون كيف صرف الله عني أذاهم ؟
إنهم يسبون ويهجون مذمماً وأنا محمد