الكاتب: أ.د. عادل وجيه سراج الدين
يا دكتور “أنا ملبوسة“
في مصر مليون مواطن يعتقد أنه ممسوس و350 ألف على الأقل يعملون في محال العلاج بالجن ويطلق كل منهم على نفسه لقب معالج أو شيخ حتى حديث السن منهم “المركز القومي للبحوث – سبتمبر 2003” وقرى كاملة في النجوع قوامها من 5000- 10000 نسمة رجالها مربوطين!! (عاجزين جنسيا)!!
أفردت صحيفة أسبوعية معارضة بابا للعلاج بالجن وربما أنقذ الصحيفة من الإفلاس، إذ كان ذلك عاملا على زيادة التوزيع.
وفي العيادة النفسية كثيرا ما تقال هذه الكلمات وغالبا ما يلزم الطبيب النفسي الصمت “أنا رحت للي يعرفوا!!” .. “يووووه لفيت على كل المشايخ!!”..” مفيش شيخ قالولي عليه إلا لما رحت له..!!” وتعجب لأكثرهم الذي يسبق كلامه بأنه لا يعتقد في هذا الأمر نهائيا ولكنهم نصحوه وضغطوا عليه، وتندهش إذا عرفت أن أغلب المدعين بالعلاج بالجن أو بالقرآن خلفيتهم الدينية سطحيه وتعليمهم الدراسي متواضع والفائق منهم غريب الأطوار وكافة علماء الدين المعاصرين يرفضون تماما الخوض في مثل هذه الأباطيل مثل العلامة يوسف القرضاوي والشيخ محمد الراوي ورحمة الله عليهما الشيخ محمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي.
ولنا بحث موجز من شاء أن يشاركنا فيه بالفكر والرأي.. له منا خالص الشكر والدعاء:
تحدث سيدنا سليمان عليه السلام إلى الجن وسخرهم في العمل وعاقبهم بالعمل الشديد المهين.
أما سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام فقد تحدى سحرة فرعون وقضى على تخييلهم للناس وإرهابهم لأعين الناس بعصاه التي تحولت إلى ثعبان بحق يلقف ما يأفكون (ما يدعون ويفترون).
وكان السيد المسيح عليه السلام يمسح على الأكمه والأبرص فيشفيهم بإذن الله
ولم يفعل حبيبنا المصطفى(ص) أي شيء من هذه الأشياء، بل إنه حينما ذهبت إليه المرأة المصروعة (تعاني من الصرْع) وكان الصرع مرضا مستعصيا آنذاك تسأله فقط أن يدعو لها الله أن يشفيها فخيرها وقال لها “أتصبرين ولك الجنة” وضرب لنا سنة نستن بها كيف يتعامل الإسلام مع المرض المستعصي!!” أتصبرين ولك الجنة” ومن ذا الذي يرفض الجنة فالصبر على البلاء والابتلاء له الجنة بإذن الله.. والصبر يجب أن يكون جميلا “”فاصبر صبرا جميلا..” المعارج 5 .. وكان من اليسير على الرسول(ص) أن يدعو لها وربما كان ذلك يجعل أهل الجزيرة يصطفون طالبين الدعاء منه لشفائهم من الأمراض..
ولكن رسالة الإسلام تعزز “أسلمت وجهي لله” وترفض الوساطات بين السماء والأرض، وتأمر بالعمل “وقل أعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون..” التوبة 105 وتأمر بالعقل والتعقل فجاءت” أفلا تعقلون …” 12 مرة و”..لعلكم تعقلون” 5 مرات و”..لقوم يعقلون” 7 مرات في القرآن الكريم، والإسلام أيضًا دين يعو إلى الفكر والتفكر..فجاءت”.. لعلكم تتفكرون” مرتان و”….لعلهم يتفكرون” 3 مرات و” لقوم يتفكرون….” 7 مرات في القرآن الكريم.
“أتصبرين ولك الجنة”واختارت المرأة الصبر واختارت الجنة وخافت فقط من خزي الدنيا من التعري والتكشف فسألته”فادع لي الله ألا أتكشف”.
والرسول محمد بن عبد الله (ص) الرحمة المهداة لم يخاطب الجن ولم يعاقبهم ولم يرد أبدا أنه حدثهم في أجساد البشر أو أنه أخرجهم من بين الأصابع على شكل بقعة دم زرقاء كانت أم حمراء!!! بل إنه في حديث للبخاري أنه (ص) أمسك بالشيطان وسلسله في سارية المسجد وقال” ثم تذكرت قول أخي سليمان”رب هب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي” فأطلقت سراحه”.
وأبدا لم ينصح الرسول (ص) بقراءة القرآن على الماء وشربه أو الاستحمام به وأبدا لم يرد في السنة أنه كتب القرآن على وريقات ووضعها بالماء وأمر بشربها أو الاستحمام به للاستشفاء.. بل إنه (ص) حينما زار مريضا سأل أهله “هل استدعيتم الطبيب؟ فقالوا أندعو طبيبا وأنت هنا يا رسول الله! قال(ص): ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء”صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم [متفق عليه].
ولنا وقفه مع سحرة فرعون وما فعل سيدنا موسى عليه السلام:
“فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم..”116 الأعراف
“فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى..” 66 طه
§ فالسحر بالنص القرآني هو تخييل واسترهاب للعين وليس شيئا ماديا ولذا ماذا فعل سحرة فرعون حينما شاهدوا خلق الله وشاهدوا عصا حقيقية تتحول إلى ثعبان كبير يلقف ما أفكوا “…فألقى السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى” 70 طه. ونقف عند الآية 102 من سورة البقرة:
{واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرأ وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} صدق الله العظيم.
§ من هذا النص القرآني نتعلم أن السحر علم شيطاني، يضر ولا ينفع، ولا يضر أحدًا إلا بإذن الله، ولمن يخوض في هذا نقول” ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون”صدق الله العظيم.
وعلى هذا الأساس قسم العلامة أبو حامد الغزالي العلوم إلى 3 أنواع:
علم مذموم: يضر ولا ينفع ولا يهدي الحيران ولا يصل إلى التوحيد كعلوم السحر والجن والروح.
علم محمود: ينفع الناس ويمكث في الأرض ويهدي إلى التوحيد كعلوم الطب والهندسة والجغرافيا وغيرها
علم قليله محمود كثيره مذموم: كعلوم الفلسفة فقليلها تدريب للذهن والعقل وكثيرها تضييع للوقت
في اوربا في عصور الظلام كانوا يضربون المرضى يخرجون ما بهم من جن و شياطين وأرواح شريرة في الوقت الذي كانت مستشفى الصحة النفسية في بغداد و قلاوون بالقاهرة تعالج المرضى بالأعشاب و الموسيقى ما الذي بدل الحال؟؟؟!!!
.
وهذا ما وجدناه في القرآن عن السحر والآيات واضحة لا تحتاج إلى تأويل خاص، وجاءت فتوى الأزهر الشريف بخصوص العلاج بالقرآن لشفاء أمراض “إن التعامل مع القرآن الكريم ككتاب طب هو تقليل من شأن القرآن العظيم، فقراءة القرآن وتدبر معانيه والعمل بأوامره وتجنب نواهيه فرض في كل الأوقات في الصحة والمرض، والعسر واليسر، والبسط والشدة ” وجاء في تسجيلات العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي عن العلاج بالقرآن”..كل ده دجل، كله دجل”.
ونأتي لمسألة التلبس والمس الشيطاني:
فقد كرم الله آدم ابن الطين عن سائر المخلوقات وأمر الملائكة بالسجود له لعلمه عليهم فأطاعت الملائكة إلا إبليس أبى واستكبر وخرج من رحمة الله بالمعصية وأصر على التربص بآدم ونسله.. تأمل وتفكر في هذه الآيات.
§ { قال فاخرج منها فإنك رجيم* وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين* قال ربي فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم* قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين} 77-82 ص.
{قال ربي يما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} 39 الحجر.
وقال الله تعالى “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين وإن جهنم لموعدهم أجمعيين”.
هذا هو موقف إبليس أو الشيطان أو ابن النار من ابن الطين…. مزين له المعصية ومغوٍ له فقال هدهد سليمان{وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم} 24 النمل، وقال تعالى{إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم ..} 4 النمل، هذا هو التزيين وعلى من تنزل الشياطين{تنزل على كل أفاك أثيم } 222 الشعراء، ثم الغواية كيف تغوي الشياطين ابن الطين؟
{قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} 16-17 الأعراف
فغواية إبليس لابن الطين أن يقعد له في صراط الله المستقيم ويأتي إليه من 4 اتجاهات من الأمام والخلف وعن اليمين والشمال فيغير من طريقه المستقيم إلى أن ينسى شكر الله.. بقى اتجاهان إلى الأسفل والأعلى وهما في السجود والدعاء لا يستطيع الشيطان هنا غواية ابن آدم والتأثير عليه.. هذا هو الشيطان والتزيين والغواية
فأين المس؟!! تأمل هذه الآيات:
“إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” 201 الأعراف،
فبمجرد اقتراب الشيطان بالتزيين والغواية يفلح الذين اتقوا وخافوا ربهم بأن يذكروا الله ويقرب هذا المعنى إلى الأذهان الآيات التالية:
{إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ..} 140 آل عمران،
{فإذا مس الإنسان ضر دعانا ..} 49 الزمر، “وإن مسه الشر فيؤوس قنوط” 49 فصلت،
{وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه..} 8 الزمر،{ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني من سوء ..} 188 الأعراف،
أوضحت كل هذه الآيات معنى المس بالقرآن.
§ وتبقى لنا آية هي: قوله تعالى:
{الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا….} 275 البقرة،
واختلفت التفاسير في هذه الآية ولن نخوض في ذلك وننصح بالرجوع لتفسير الشيخ العلامة محمد عبده، وأيضا بربط المعاني من اقتراب الشيطان بعباد الله وعرقلة صراطهم المستقيم والتزيين لهم في معاصيهم وغوايتهم من الاتجاهات الأربعة يتضح المعنى.
ونذكر دعاء سيدنا أيوب عليه السلام: {واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب..} 41 ص،
اختلفت الروايات كثيرا في هذا الدعاء كيف حاول الشيطان غواية سيدنا أيوب عليه السلام ومع زوجته التي سألته أن يسأل الله أن يخفف عنه فجاء دعاؤه هكذا وجاءت الروشتة الربانية “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب” فبرأ مما أصابه وكانت معجزة ربانية.
ونحن نرى ونجزم بأن قراءة القرآن فيها الهدى والشفاء لما في الصدور والرحمة والطمأنينة وهي واجبة في كل الأحوال.
ولكن ما يحدث في العالم العربي العاجز الواهن الآن من تغييب للعقل يفوق ما حدث في سائر العصور، فالإنسان العربي الضعيف الآن، قليل الحيلة يبحث عن معجزة،ويرفض الصبر على البلاء والابتلاء، ويعجز عن أن يأخذ بالأسباب ويلجأ لأساليب التخييل واسترهاب الأعين والايحاءات وحيل التنويم المغناطيسي على أيدي محترفين وهواة، .
والقرآن حافظ لنفسه على مر العصور وليس في حاجة لمن تسقط على الأرض ويتلوى لسانها وجسدها وأن تنطق وتهذي بكلمات غير مفهومة لكي يشفيها ويظهر إعجازه، فكلمات غير القرآن قد تأتي بنفس الأثر، ورأينا من يفعل ذلك ولا يحفظ القرآن ولا يجيد تلاوته والفتنة باليأس من الشفاء فمن هنا الملام القرآن أم المعالج أم الشخص أو الجان!!! وماذا يفعل هؤلاء باسم القرآن لهذه المرأة المقهورة.
يبرر لها لم تأخر زواجها؟
أو لم عزف عنها زوجها؟!!
أو تركها خطيبها؟؟
أو كيف لا تطيق زوجها؟
أو لم تأخر أولادها ؟!! إلى آخر هذه المحن وتأخذ بذلك صك الغفران عن أي مسؤولية تقع عليها
..وهذا الرجل العاطل العاجز الذي لم يجد مخرجا من لوم اللائمين لبطالته وعدم سعيه للرزق الجاد والحلال إلا أن يلويَ لسانه ويقول ما لا يفهم..
أين العقل وأين العمل وأين الفكر وأين الإسلام في ذلك!! نقول هذا والله من وراء القصد فإن كان تقصير وخطأ فهو مني وإن كان توفيق فمن الله
وهنا يجب أن نستعرض ما سبب المرض اذا كان ذا مرضا نفسيا
هنا االاجابه