يعرف الطب النفسي الحزن أو الأسى بأنه رد فعل الإنسان حينما يفقد شيئا عزيزا عليه  قد يكون هذا الشيء مال أو جاه أو سلطان  و الأعم أن يكون شخص عزيز كالولد  أو الوالدين أو شريك ورفيق العمر و أذكر هنا شخصيا أن اكبر صدمة حزينة مررت بها في حياتي  حينما ماتت أمي فكنت أظن أن الأم لا تموت  ‍

و لو عرفنا الحياة الدنيا بأنها سلسلة من الفقد  منذ الميلاد  فعندنا الأبوين لنفقدهما و نتعلم لكي نفقد العلم و ونعمل المال لنفقده و نملك الصحة و القوة ليأتي يوما لنفقدها  إلى أن نفقد الحياة  و هذه هي الدنيا أي آدني ما في الوجود لأنها لا تعطي إلا و تأخذ ما أعطت

و بالتالي فان الإنسان في حياته يمر بسلسلة من الأحزان

ومن الصعب التعميم طبيا بأن أي رجل أقدر على تحمل صدمة الأحزان عن أي امرأة و العكس أيضا صحيح.  فتختلف قدرة كل منا عن الآخر في ذلك  وهي تعود إلى عوامل  كثيرة  منها النشأة و البيئة و أسلوب التربية  فمن نشأ مدللا  منعما من الصعب عليه تحمل  مثل هذه الصدمات  و ليس مثل من نشأ يملك القليل  ويذق من خشونة الحياة أصناف و ألوان .. إلا انه من الممكن الجزم بأن  الرجل أقدر في عدم الإفصاح بمدى حزنه عن المرأة  فالمرأة في مختلف المجتمعات و الأديان  تظهر أشكالا  و صنوفا  من  التعبير عن الحزن كالبكاء و العويل والصوات والصياح و الندب و لطم الخدود و شق الجيوب  و يندر أن يظهر الرجل ذلك  أو ما هو أكثر من البكاء الصامت.. و بالطبع هذا لا يدل بالمرة عن كم ما تحمله المرأة من حزن حقيقي أو تموج به نفس الرجل من أسى و حزن

 

 

·    دموع الرجل  أصعب من دموع المرأة؟

اختلاف التعبير يرجع بشكل أساسي لأن الرجل  ينشأ على انه يفقد أكثر بالبكاء و المرأة يعزز عندها المجتمع البكاء فمن منا يتحمل دموع امرأة ومن منا يحترم دموع الرجل حتى في أطفال المدارس  ولذا فالمرأة بنشأتها و طبيعتها خصوصا في المجتمعات الشرقية  أفرط في التعبير عن الحزن من الرجل و ليس بالضرورة انه أقدر منها في تحمل الأحزان و بالتالي فدموع الرجل اصعب في النزول من دموع المرأة  لأن الرجل تعلم انه يخسر الكثير بدموعه في حين أن المرأة تعلمت بأنها تكسب و تفوز بدموعها

الصدمات الحزينة مرتبطة بكافة الأمراض و لو زرت الرعاية المركزة في أي  مركز من مراكز  أمراض القلب تأتي حالات جلطات القلب في المقدمة والتي تتبع صدمة حزينة و كذلك قرحة المعدة و السكتة الدماغية ( جلطة المخ) و القولون العصبي و أغلب هذه الأمراض أكثر شيوعا في الرجال عنها في النساء و  أثبتت الدراسات إنها تتسبب بعامل حزن مع الاستعداد الوراثي و العوامل  المرضية الأخرى في كل حالة  و يقول الله تعالى في سورة يوسف ” و تولى عنهم و قال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه من الحزن و هو كظيم” يوسف 12 ويرى أطباء العيون  إن ابيضت عيناه أي أصابها الكتاراكت (المياه البيضاء) التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالحزن .. وكظيم بمعنى كاتم الحزن و الكرب..

و كل إنسان منا له عضو بجسمه يعتبر نقطة ضعف يئن و يتوجع مع الأحزان فمنا ما من تتألم أسنانه ومنا من تبوح مفاصله بآلامها الروماتيزمية  أو تتهيج عليه قرحة معدته و غير ذلك الكثير.

أما عن الحزن و الطب النفسي على وجه الخصوص  فيندرج الحزن تحت أحد التشخيصات النفسية في التصنيفين الأمريكي و العالمي   وأعراضه الشعور بالأسى و الأرق  وفقد الشهية وفقد الوزن وهو يعد إحساسا طبيعيا عند كافة الناس و الطبيعي أيضا أن يتلاشى تدريجيا في غضون شهرين على الأكثر  أما إذا كان مصحوبا بأعراض  كالإحساس بالذنب و تمني الموت  و التفكير في الخلاص من الحياة والتأخر النفس حركي  و  التدهور في أداء مهامه الوظيفية  وحياته الاجتماعية وقد تنتابه بعض الهواجس كأن يسمع صوت الميت أو يراه فهنا تكون مضاعفات حالة الحزن باضطراب اكتئابي  و يلزم هنا التدخل بالعلاج الدوائي والذي يساعد إلى حد كبير جدا في تحسن الحالة و عودة الإنسان إلى طبيعته

ردود الفعل تختلف و تتباين كثيرا من فرد لآخر و في الطب النفسي على وجه التحديد تكون ردة الفعل  نوبة اكتئابية بكل ما فيها من آلام نفسية جسيمة و يكفي إن هذا هو المرض الوحيد الذي يتمنى فيه المريض الموت دونا عن سائر الأمراض الأخرى  ولا يستطيع التمتع بأي شئ من مباهج الحياة… و تختلف أيضا نوع الصدمات التي تؤثر في الإنسان من فرد لآخر  فقد ينهار تماما إنسان بعد فقد ماله وآخر لا يقوى على النهوض بعد فقد ولده فقد عاش له و من اجله000 وأذكر نموذج من هؤلاء لم يتحمل على الإطلاق تخطيه في الترقية إلى منصب ظل عمره ينتظره و يحلم به ليكون رئيسا لمجلس إدارة الشركة التي يديرها وبعد ما اقترب من المنصب بتقاعد الرئيس الفعلي أتوا بآخر من خارج الشركة ليرأسها

وظل أشهر عديدة لا يقوى على الذهاب للعمل متجهما يائسا وبالفعل حاول الانتحار و لم تفلح

معه وسائل العلاج النفسي والدوائي وكان لا بد من العلاج بجلسات الكهرباء المعدلة و التي شفي عليها تماما

حالات نمازج عن نساء لم يستطعن تلقي الصدمة؟

لا أنسى أبدا الزوجة التي أبلغناها بوفاة زوجها فكانت ردة فعلها إنها  فقدت حياتها في ثوان معدودة بعد سماعها الخبر *(في القاهرة) و يتردد على العيادة الخارجية كثير من النساء اللاتي فقدن عزيز في حياتهن ولكن لم يقوون على ممارسة حياتهن بصورة طبيعية فيما بعد و يشكون دائما من انتكاسات لحالات الاكتئاب المستمر  والتي تأخذ صورا عديدة .

و إذا كان هناك مجالا لذكر رد فعل الحيوان مع الصدمة الحزينة فأذكر أن الأسد الذي مد يده فأصاب رئة محمد الحلو لاعب السيرك المشهور فمات في أحد العروض  افتقد  الأسد رفيق عمره و حاول المدربون إعادته للعروض فلم يفلحوا و فقد الشهية للطعام  و اللعب والحركة ولما يئسوا منه أحالوه إلي حديقة الحيوان فلم يأكل أي شئ و نحل جسده وهزل هزالا شديدا ثم بدأ يأكل ذيله حتى أسال دمه ومات

فلسنا في مجال مفاضلة الرجال على النساء أو تدعيم و تقوية موقف المرأة عن الرجل فالمعروف أن المرأة تعمر أكثر من الرجل وتعيش لتتذكر والرجل يعيش لينسى و يتحمل و يكمد ولذا فهو ينكسر أسرع

.ومعايير الحزن عند النساء تختلف عنها عند الرجال و تختلف بشدة بين النساء وبعضهن فقد تتألم و تحزن بشدة امرأة  على فقد شئ بسيط وأخرى تقوى على  مجاهدة الحزن  كثيرا  ويمكنها الخروج منه بسرعة

.

.

 

.

Published by Dr.Adel Serag

Dr. Adel Serag is a senior consultant psychiatrist , working clinical psychiatry over 30 years.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *