ما هو التشخيص؟
يأتي معنى التشخيص في شقين الأول وهو المعنى الواضح هو المصطلح الذي يشير إلى ماهية المرض الذي يعاني منه الشخص ولذا الحصبة مثلاً أو قرحة المعدة أو جلطة القلب كلها إشارات لما يعاني منه المريض وكذلك كلمة الفصام والمعنى الثاني الطبي هو فن تطبيق الطرق العملية في شرح وتوضيح المشاكل التي يعاني منها المريض … … وبالتالي فهذا يعني جمع و معرفة و الإلمام بكافة البيانات التي تتعلق بحالة المريض ولذا فيجب إن تأتي هذه البيانات من كل النواحي الممكنة البيولوجية والسيكولوجية و الاجتماعية وكافة الوسائل الممكنة تستعمل في جمع هذه البيانات .
ولماذا التشخيص ؟
يخدم تشخيص المرض 3 جوانب أولها حسن التصنيف .. أي في أي مكان نحن من المرض وبالتالي ما المصير ويمكننا إحصاء الأعراض ووصفها حسب التشخيص و دراستها وبالتالي مع المقارنة بالحالات المشابهة يمكننا معرفة المصير للمريض وأيضاً و على وجه التحديد يمكننا بناء على ذلك وصف العلاج الدوائي المناسب.
جبهة الرفض ؟
غير أن البعض يرفض مبدأ التشخيص لأن ذلك يجعل المريض مجرد حالة ويختم عليه باسم المريض ويجرده من إنسانيته ويحتم على المتعاملين معه بأنه مريض بمرض كذا و في حاجة للعلاج كذا وبالتالي فمسألة عنونة المريض بتشخيص ما ليست مسألة مشينة فحسب بل إنها ضارة بالمريض ويكفي ما تحدثه من وصمة اجتماعية وخصوصاُ مع الأمراض العقلية وهذه الوصمة تجعل المتعاملين مع المريض من حوله يتحدثون عنه وليس باعتباره فلان و لكنه فلان الفصامي
هل هذا تطرفا ؟
قد يكون رأي الرافضين في استعمال تشخيص ما به شئ من الصحة و لكنها ليس مطلقة و يعتبرها البعض تطرفا ويرد الكرف الآخر إن تشخيص المريض يجعل له مدخلاً في أسلوب معاملة من حوله ويزيد من قدر إنسانيته و لا يسلبها ويحدد نوع الرعاية المطلوبة من المجال الطبي .
فالتشخيص هام كما سبق ويتحدد من خلاله العلاج و الحالة ليست مهانة بل صفة مؤقتة تتحسن بالعلاج و المساعدة و بالطبع ذلك لا يجعلنا نغفل أية اعتبارات إنسانية بل يجعلنا نتعامل مع الحالة من كافة جوانب الاجتماعية والأسرية والمهنية و الزوجية والعاطفية و نعلم أنه لا يوجد إنسان متطابق مع آخر في الظروف و الأقدار و ليس وصفة باسم
مرضي يجرده من سماتها التي ستدرس بعناية ولو لم يتم التشخيص ستكون المساعدة المقدمة في حدود عامة وسطحية وغير متخصصة إما ضيقة للغاية لا تفي بالمطلوب للمريض وكأنها تنظر للشخص في حدود تشخيص و حسب وأما إن تكون عامة ومتسعة لتشمل صفة الوصمة أو كافة شؤون حياة المريض ولذا في كلتا الحالتين ستعيق وتحد من كفاءة وجهد الأطباء أو القائمين على الرعاية
ومن يقـــــــــــوم بالتشخيص ؟
بلا تردد هذا من أهم مسؤوليات الطبيب النفسي الذي يقوم بالاستفسار عن المريض من كافة الأطراف ويجمع كل المعلومات التي تخص المريض من هيئة التمريض والأخصائيين الاجتماعيين والأخصائيين النفسيين وعمل التشخيص من خصائص المهنة الطبية .
وكيف يقوم الطبيب بالتشخيص ؟
يبحث الطبيب النفسي على أعراض أساسية وعلامات مرضية وشواهد يمكن من تجميعها لتصنيفها تحت أنواع الفصام وأيضاً يتأكد من عدم وجود أعراض و شواهد مرضية أخرى قد تكون هي المسبب للعرض المرضي الملاحظ فكافة أعراض الفصام و التي تم مناقشتها بالفصل السابق يمكن حدوثها مع حالات مرضية أخرى وكلما ازدادت خبرة الطبيب ومعاملته مع المرضى كلما زادت دقته في التشخيص ومهما بلغت خبرة الطبيب هناك بعض الحالات يتأنى فيها مرارا و تكرارا قبل البوح بتشخيص الفصام .
ولكن كيف ؟
تشخيص مرض الفصام تشخيص إكلينيكي أي سريري أو بدني بمعنى أنه علامات تلاحظ بالعين و شواهد يستدل عليها من محاورة المريض ورصد تصرفاته وحركاته .
الكشف و الأشعة
وقد يحتاج الطبيب النفسي إلى كشف طبي كامل و أحيانا إلى عمل بعض الفحوصات الطبية كالأشعة المقطعية بالكمبيوتر أو أشعة الرنين المغناطيسي وتخطيط المخ الكهربائي
وليس ذلك لتأكيد تشخيص الفصام بصورة الأشعة أو غيرها ولكن لأن هناك ما قد يرجح التشخيص المبدئي بالفصام ويستبعد الإصابة العضوية كمرض مثل التصلب المتناثر بالجهاز العصبي وغيرها ….. ولذا يتبادر للذهن فوراً كيف يجمع الطبيب النفسي معلوماته و على أي أساس يرتكز
الحوار النفسي
الحوار النفسي مهارة كبيرة يستطيع من خلاله الطبيب استشفاف ما في نفس المريض من أفكار و مشاعر وإدراك ويستطيع التقييم النهائي بعد ذلك وقد يحتاج إلى المحاورة عدة مرات و في أوقات و ظروف مختلفة و متابعة بعض الوقت حتى يجزم بالتشخيص .
ويبقى هنا سؤال ما هي المصلحة من التعجل و التسرع بالتشخيص ؟.. يمكن استعمال الدواء و تأجيل النطق بالتشخيص حتى تتحدد ملامح المرض الكاملة
تاريخ الحالة
ويعتبر هذا من الركائز الأساسية أيضاً و يستقي الطبيب ذلك من خلال الأهل و الأقارب و الأصدقاء من خلال أسئلة مباشرة أو غير مباشرة عن أحوال المريض وردود فعله للظروف المختلفة وسلوكه العام …
وأيضاً يحاول الطبيب من خلال بحثه وأسئلته عن استكشاف لأسباب المرض له في الظروف التي يعيشها لو احتمال الوراثة و ظروف الولادة ومستوى التعليم و قدراته التعليمية وحياته الجنسية وتاريخ عمله ومهنته . ومن خلال كافة هذه المعلومات التي يحللها الطبيب يمكن الوصول إلى تشخيص للمرض بعد تطبيقها على عناصر محددة حسب التصنيفات الطبية العلمية .
حوار الطبيب
كيف يقرر الطبيب الأعراض ؟ …. هناك 3 ركائز أساسية هي
نوع الحوار
وتعريف الطبيب للأعراض
و مدى استجابة المريض .
هناك أساليب لمحاورة المريض أساسية بغرض الكشف عن الأعراض التي يحاول الطبيب فحصها وهناك أسئلة مباشرة وغير مباشر لمعرفة العرض وتقييمه ويؤخذ في الاعتبار مدى استجابته لكل سؤال
و الحوار لا يمكن أن يخضع لأسلوب نمطي و لكنه مرن في التشعب والمط والتصغير و التفرع حسب الحاجة بغرض أساسي هو التشخيص في النهاية وذلك بسبب اختلاف المرضى و مدى ثقافتهم و اختلاف البيئة والتعليم فهو يتغير بتغير خبرة الطبيب
اشتباه في الفصام :-
كما يظهر بوضوح من هذا العرض إن الفصام ليس بالتشخيص الهين ولا السهل الذي يكشف عنه بتحليل ما أو أشعة ما ولكنه يحتاج إلى جهد من الطبيب كما أنه لا توجد
قاعدة مطلقة على الدوام تؤكد التشخيص لدينا ” نعم أنه يعاني من الفصام ” أو ” لا أنه لا يعاني من الفصام ” فهناك أشياء كثيرة قد تدعم التشخيص ولكنها لا تلغيه أو تؤكده و لذا يبقى لدينا الملاحظة كيف يسير خط سير المرض والمريض وبمضي الوقت يحسم التشخيص .
ولذا فإن الطبيب الثاني أسعد حظاً من الطبيب الأول حيث أنه قد تتوافر لديه معلومات و ملاحظات لم تتوفر للطبيب الأول وخير من هذا إن يستمر طبيب واحد على المتابعة حيث أنه يستطيع المساعدة و إعادة التقييم بما زيد عنده من ملاحظا ت …..
والجدير بالذكر .. مرة أخرى .. هو ألا يتعجل الطبيب التشخيص ويتروى قبل الإبداء بالرأي خصوصاً في المرة الأولى قبل أن يلصق على المريض أنه فصامي !
الفصام ليس ؟!
هناك عدة أمرض يجب استبعادها قبل التشخيص أولا الإصابات العضوية بالمخ و الصرع , الاكتئاب و الهوس ومن أثر استعمال عقاقير أو تعاطي مخدرات ولو على سبيل التجربة و غيرها
والفصامي ليس ببساطة رجل لا يعي ولا يفهم أو يهذي بكلمات غير مفهومة وهو ليس من يسئ التصرف مع الناس وهو ليس بقليل الفهم أو الغبي أو الضعيف .
وهو أيضاً ليس بالعنيف أو القاتل أو الهمجي
مستر هايد وهو أيضاً ليس انفصام بالشخصية أي أنه يوم شرير ويوم طيب على غرار دكتور جيل مستر هايد
يعني ابني مجنون!!
لا يستعمل الأطباء هذا التعبير وليس له تعريف محدد وهو صيغة مبالغة ( وزن مفعول ) من جن أي استتر أو اختفى ويبدو أن المقصود به استتر عقله والجنين هو الغير مرئي في بطن أمه و بالطبع فهو الصغير!..والمخلوق الجن والجان أي المستتر والغير مرئي..وقد ورد لفظ مجنون في ستة مواضع بالقرآن الكريم وهي إتهام الكافرين للرسل بما يقولون.
وما المصير ؟؟
ما هو المآل العلاجي والغير علاجي للمرض وما هو خط سير المرض هل هو مثل مرض السكر سيظل معتمداً على الأدوية أم يمكنه الاستغناء عنها يوماً ما …. وهل ما نقوله لمريض ما في أنه يستمر أم يتوقف عن العلاج مبني على أساس علمي أم أن الأطباء يرمونه اعتباطياً ..
نسبة؟
بوجه عام فإن نسبة الشفاء التام 20% – 30% وقد لا يحتاج علاج المريض فيما بعد أو قد يتحقق الشفاء أيضاً بجرعات بسيطة من الأدوية بمعنى آخر إن كل خمسة مرضى فإن واحد منهم قابل للشفاء التام بإذن الله .
وحوالي 60% من المرضى يستقر بالعلاج الدوائي والمساعدة النفسية و لا يحتاج دخول المستشفى إلا في فترات الانتكاس التي قد تكون متقاربة من مرتين بالعام إلى مرة كل 5 أعوام .
وتبقى النسبة الأخيرة التي تحتاج إلى مستشفى ومصحة نفسية لفترة طويلة على مدار العام ومع التقدم الدوائي و العلاجي و الطفرة الاخيرة في اكتشافات المرض و المخ فقد انخفضت هذه النسبة بدرجة كبيرة ويرى جيل من الاطباء المتفائلين انه ستندثر نسبة المرضى الذين يحتاجون الى مصحات مدى الحياة وبالرغم من أن الفصام مرض مزمن إلا أنه ليس بالخطورة التي قد تكمن في أمراض أخرى من حيث الحياة ونسب الشفاء
رائعة العقل الجميل كاملا