ليس المقصود من الوسواس القهري هنا وهو ثالث نوع من اضطرابات القلق بالوسواس الخناس الذي يأتي في القرآن بمعنى الشيطان و تأثيره على الإنسان عن طريق الغواية و التضليل و التشكيك ولكن حتى الآن لا يجد الأطباء الكلمة البديلة خصوصا بعد ما رسخت هذه في أذهان الناس و المرضى و الأطباء أيضا
.
المقصود الطبي
فالمقصود بكلمة الوسواس طبيا بأنها أفكار أو صور تخيليه أو دوافع ملحة و متكررة غالبا ما تكون سخيفة و تافهة و يحاول المريض السيطرة عليها و طردها أو إيقافها دون جدوى
الاعراض
أو قد يأتي في صورة حركات قهرية و طقوس متكررة لا يستطيع الحيد عنها أو تغييرها وإلا يصاب بأعراض قلق حاد و رهبة و يشعر بالضيق
§وهذه الوساوس الفكرية الملحة قد تكون عند الكثير منا و لكن في حدود طبيعية يمكن التعايش معها فكثير منا يتردد على ذهنه مقطع غنائي أو موسيقي لبعض الوقت و يسيطر عليه و يحاول الخلاص منه وقد يشعر بالضجر من ذلك … وحتى في الأطفال تنتابهم أحيانا حركة قهرية كأن يخبط الحجر بقدمه في الذهاب و الإياب من المدرسة و إذا فاته الحجر رجع ليحصل عليه أو قد يسير قدم فوق الرصيف وأخرى أسفله ويأخذ الطريق هكذا و منا من يعد درجات السلم في الصعود و الهبوط و يبدو الأمر في حدود الطبيعي ما دام لم يكن معوقا عن العمل .
وهناك منا بعض الشخصيات بطبعها يغلب عليه الأنماط الحبكية فيلزم مرارا و تكرارا التأكد من تنميق المنزل ووضع كل شئ برتابة في مكانه
والتأكد من الأضواء مثلا و صنابير المياه وإعادة فحصها قبل النوم
ومنا من يرفض تماما دخول ضيوفه المنزل بدون خلع الحذاء
أو يصعب عليه المصافحة باليد مع الآخرين
ويفقد هذا الشخص المرونة إذا رأى شيئا يفتقد النظام و الترتيب الذي تعود عليه
§ أو إذا اختلفت ترتيب طقوس حركاته المعتادة مثلا عند الاستيقاظ صباحا وتناول قهوته و قراءة صحيفته وارتداء ملابسه بترتيب و انسجام معين ولكن تبقى دائما إنها أنماط شخصية و انه يرغب أن يكون بهذه الصورة بل و يحافظ عليها
و لكن المريض بعصاب الوسواس القهري يرى هذه الأفكار دخيلة و غريبة و يود الخلاص منها فهي تعيقه عن أشياء كثيرة و عن التقدم في حياته العملية فهذا تسيطر عليه فكرة يدرك تماما مدى سخفها و عدم منطقيتها وهي انه قد يرتطم أثناء سيره بطفل صغير فيدهسه دون أن يشعر بذلك و لهذا فهو دائم النظر و التطلع إلى الخلف للتأكد من انه لم يدهس طفلا و يحاول جاهدا مقاومتها ولكنه لا يستطيع
§و آخر يخشى أن يدخل رماد السجاير المتطاير في ثنيات بنطلونه أو ملابس الناس فيسير دائم التطلع على ملابسهم
و ثالث يتجنب السير بجوار أعمدة النور حتى لا يقطع ظلها فتتوقف عن الإضاءة و يثور و يتعصب من سخف ما يقول و لكن الفكرة ملحة و تتردد عليه و لا تتركه في شأنه فيتجنب السير بجوار أعمدة النور و يلتف حولها في حركة دائرية
§وأكثر أنواع الاضطراب القهري شيوعا هو غسل اليدين
§ و كثير من المرضى يلجأ للعد أثناء القيام بذلك
و يزداد الأمر تعقيدا في بعض الأحيان إذا ألح عليه الأمر لعد إلى رقم ثابت و ليكن 39 مرة مثلا وإذا أخطأ أو شك في دقة العد يبدأ مرة أخرى و بالتالي فلا يترك دورة المياه أبدا … و غير ذلك كثيرا
ونسبة ليست بالقليلة تصيب بعض المرضى في طقوس دينية كالوضوء و الصلاة و قد تعيقهم بدرجة لا يستطيعون معها إتمام وضوءهم أو صلاتهم أو اقتناعهم بمدى صحتها و يؤنبون أنفسهم بشدة على ذلك
ومن أسوأ أنواع الأفكار المرضية الملحة هي التي قد تصل إلى حد التجريح بالذات الالهيه و العياذ بالله مع انه لا تنقصه تقوى أو تدينا أو صلاحا و لذلك لا يجد تفسير إلا انه شيطان أو شئ من هذا القبيل.
و ينتشر هذا المرض بنسبة تصل إلى 1-2 % من الشعب و بدرجات متفاوتة و غالبا ما يبدأ في عمر النضوج و الشباب كسائر أنواع القلق
و يشيع في الذكور عن الإناث
و الغريب انه قد يبدأ تدريجيا أو فجأة عن طريق أفكار مضايقة دخيلة ملحة على المريض و هي ليست من إرادته
في المخ
§و اثبت العلم الحديث ودراسات المخ عن طريق الأشعة المقطعية بالكمبيوتر و كذلك أشعة الرنين المغناطيسي والمسح الإشعاعي للبوسيترون Positron Emission tomography عن وجود خلل وظيفي وتركيبي في أحد الأنوية السفلية بالمخ basal ganglia و على وجه التحديد في النواة الذيلية caudate nucleus ووجد أن هناك علاقة كبيرة بين مادة السيروتونين كموصل عصبي بالمخ و المرض ذاته و على هذا الأساس أصبحت الأدوية التي تتعامل مع هذا الموصل العصبي هي أساس العلاج الدوائي.
والعلاج
وعلاج هذه الحالة ليس بالشيء الهين و يجب أن يكون على يد طبيب متخصص الذي يبدأ بتعليم المريض و تثقيفة عن طبيعة مرضه
وحقق الأسلوب الحديث من العلاج النفسي المعرفي السلوكي نتائج طيبة كتعليم طرق إيقاف الفكرة Thought stoppage
أو مساعدته بمنعه من التمادي في الممارسة القهرية بعد فترة و جيزة من بدئها Exposure Prevention
والعلاج السلوكي المتركز حول العرض ذاته بإحداث الألم مع قدوم الفكرة فيساعد على النفور منها و طردها هذا بخلاف التدريب على طرق الاسترخاء في وجود المؤثرات الخارجية …
و بفضل الرعاية الإلهية للبشرية خرجت علينا أبحاث الكيمياء و الدواء في السنوات الأخيرة بالعديد من العقاقير التي تعمل على زيادة نشاط مادة السيروتينين في المخ وبدون أعراض جانبية تذكر استطاعت كثيرا الحد من هذا الاضطراب الذي يشفى تماما أو يكمن لعدة سنوات ليعود و ينشط على صاحبه مرة أخرى .
والعلاج السلوكي المتركز حول العرض ذاته بإحداث الألم مع قدوم الفكرة فيساعد على النفور منها و طردها هذا بخلاف التدريب على طرق الاسترخاء في وجود المؤثرات الخارجية