حينما نفقد شيئا غاليا عزيزا شخص عزيز أخذه الموت يعني نقص في الأنفس أو أموالي ضاعت في البورصة أو سيارتي أو أي شئ له محورا في حياتي و دنياي وربما على قمته فقد الوظيفة و العمل .. ماذا سيحدث لنا
ما هي الآثار النفسية التي تترتب على فقد الوظائف ؟ و ما أكثرها شيوعا؟
زوجتي وأطفالي كيف يمكن تأمين مستقبلهم !! كيف سنعيش ؟ يا ترى ما المخبأ لنا في لعبة القدر!
هل سأجد مكان آخر ؟ وإذا وجدت هل سيكون بنفس القدر الذي كنت فيه؟
إلى أي حد سيكون الامتهان ومن سيكون رئيسي بعد ذلك؟!
هذه التساؤلات و غيرها كثيرا هي ما يقال في العيادة النفسية خلفا لترك عمل مفاجئ وصدمة غير متوقعة .. بعضهم يصفها بالمأساة ..ويكون في حيرة كيف سيتعامل الفرد مع خليط هذه المشاعر
يمر الإنسان بمراحل نفسية عقب الخسارة المفاجأة أو حتى المتوقعة وقد تطول هذه المراحل و قد تقصر و قد تأتي متعاقبة أو مختلطة
فأول رد فعل للشخص في هذه الحالات هو الصدمة و الذهول فتتغير نظرات عينيه ويتوقف عقله عن التفكير ومنهم من يتماسك سريعا و منهم من يأخذ بعض الوقت وبهذا قد تكون صحية في اعطائه الوقت للتفاعل و التوازن ولكن يلجأ الكثير من الأشخاص إلى حالة الإنكار وهي شئ من عدم التصديق فينكر ما حدث ويحدث نفسه “” أكيد الخبر خطأ!” “هناك لبس عليهم” “إنهم يمزحون معي ولكنه مزحا سخيفا؟؟!” “..”أكيد منهم من سيزورني الحين لعمل مفاجأة؟؟ وفي العيادة النفسية كثيرا ما نلجأ لأسلوب المواجهة و التبصير و تحاول أن تجر الشخص إلى أرض الواقع و لكنه يصر على إنكاره و يقول ” أصلك ما تعرف حجمي في المكان العمل لا يسير بدوني ولو كان صحيحا سيكون خرابا على الشركة؟؟”
لكن يمضي الوقت و لا يمضي الإنكار فيأتي الغضب و السخط على كل شئ حولنا وطبعا على المكان الذي ينتمي إليه أنهم لم يقدروه و لم يحترموا ما عمل و ما قدم لهم من عمره و جهده و إحساسه والغضب كثيرا ما يكون غير منطقيا فينصب مثلا على زوجته و أولاده وكأنهم السبب! أو على شخص معين على انه كان وراء ذلك ورتب لإنهاء عمله وكثيرا ما تحدث مفارقات بين رفقاء العمل في مثل هذه المواقف فالسفينة تغرق و الكل يقول يارب نفسي!! وفي أحيان أخرى أكثر حدة نجد الغضب على حال الدنيا و القدر ويصرخ : لماذا أنا ” ” لماذا يارب؟!!” فهو لا يستطيع الصبر وكيف يصبر على ما لم يحط به خبرا!
يمر الوقت و تمر لحظات الذهول و الصدمة و الإنكار و الغضب و السخط و يبدأ في شئ من التوازن و لكنه مع التوسل فيلجأ لبعض الوساطة لمحاولة إصلاح شئ مما حدث ويعد بمزيد من الجهد و العمل ويعرض أفكارا جديدة يستطيع تنفيذه و يعد بالتزام مهني غير مسبوق وغير ذلك كثيرا أو يتوسل مع الله فيلجأ للإكثار من الصلاة والتعبد و الدعاء بغرض الرجوع إلى ما كان عليه ولكن يخيب ظنه و يدرك انه أمرا حتميا وانه شمل كثيرا قبله و سيطول عديدا بعده
فيدخل في طور اكتئاب ويشعر بالوهن و التعب و اليأس وتتداعى عليه أعراض جسديه وتنشط عليه آلام كانت قد اختفت من قبل و أسارير وقسمات وجهه تنقلب وتستقرء منها الحزن الشديد وان كان يتحدث بدعابة و ضحكة منكسرة من حين لآخر وكأن الأمر لا يعنيه ويفرط في التدخين إذا كان مدخنا و أيضا في الشراب إذا كان مستعملا للكحوليات وقد يتعلمها لأول مرة و ينصحه بعض من أصدقائه بأن في الحشيش وما شابه خير تعزية وسيخرجه من هذا الشعور القاسي
تمر فترة زمنية تختلف من شخص لآخر و تقصر مع الواقعيين المتماسكين القادرين على التكيف السريع وتطول مع أشخاص تتعجب من رد فعلهم كنت تظنهم أكثر من ذلك قدرة و توازن ولكن الاختلاف يأتي بالمعنى الضمني للوظيفة وما تمثله لصاحبها حتى يدخل في طور القبول و الاستسلام للأمر الواقع
وهنا يبدأ تدبر الأمر بواقعية و يبدأ رحلة البحث عن بديل منطقي أحيانا ما يكون أفضل مما كان عليه و أحيانا يكون أوسط وأحيانا أغلب يكون أقل بكثير ولكنه مرحلة قد تتبدل سريعا أو بطيئا وفي ظروف أكثر مرارة لا يكون هناك بديلا وبالتالي يتوقف التكيف و تعاد كرة المراحل السابقة بما فيها من إنكار وتوسل واكتئاب وهكذا
ما هي السلوكيات التي سينتهجها ذلك الموظف فيمن سيتعامل معهم؟
الأمر لا يقف عند حد السلوكيات و لكن لو أدركنا انه صدمة بهذا الحجم كيف سينقلب عليها شأن الأسرة ككل.. يجب الحذر كل الحذر من رد فعل قاسي بدون تدخل أو علاج فلو عرفنا انه أمراض كالسكري و ضغط الدم و الروماتويد وجلطات القلب و المخ و غيرها كثيرا تجد مناخا رائعا في صاحبها حينما ينكسر هكذا وما كان مريضا به و لكنه تحت السيطرة ينفلت منه فيعلو مستوى السكر في الدم ويرتفع ضغط الدم وهكذا مع مثل هذه الأحداث
أما سلوك الموظف فيختلف من شخص لآخر حسب طبيعة الشخصية فمنهم من يلاحق الشركة بالقضايا و التساؤلات و يسئ إلى سمعة الشركة و العاملين فيها ومنهم من يتقبل الوضع في هدوء ولكن الأكثر شيوعا نراه في العصبية و الانفلات و سهولة الاستثارة وأحيانا كثير فقد التمييز و الحكم الصائب على أمور الحياة والانجراف في تيار سلوكيات غير مقبولة لديه من قبل وتتعجب من حال رجال كيف تحول والى مراهقين من انجرافهم في لهو لم يعرفوه و لم يمارسوه من قبل فتجده يلجا إلى الجلوس على شبكة الانترنت بالساعات متابعا لمواقع عديمة القيمة أو ينجرف في شات كاذب لا يعرف مع من يتحدث والكل يكذب على الكل خافيا شخصيته متدنيا في لغة غير أخلاقيه و يصرخ على من ينكر عليه ذلك
ويأتي هنا دور من حوله و العيادة النفسية أيضا ؟ هل سيجد من يسانده بواقعية التعامل و التبصير و كيف يمكن أن نعيش مع الوضع الجديد؟ وهكذا الحياة
دور الزوجة؟
في العيادة النفسية رأينا زوجات متفانيات مع أزواجهن وليس لأشهر أو سنة و لكن لعدة سنوات يتحملن كل التخبط الحادث منهم فلم تهن عليهم سنوات العشرة و الوفرة و الرغد والألم أيضا ولذا وقفن وقفات حميمة والزوجة المتفهمة تقدم عونا أفضل من أي طبيب وتستمع أكثر مما تتكلم و تسأل أكثر مما تنصح لأنه لا يقبل النصح المباشر في مثل هذه الأوقات وتنصت و تصغي كثيرا وباهتمام فيلجأ هو للفضفضة و الراحة و تدخلها يكون بكلمات قصيرة مقتضبة ولكنها تحمل كل معاني القوة والصبر انه كالطفل الصغير إلذي انتهى أمر ظلمه في امتحان و عليه الوقوف حتى ولو كان على درجة أقل ولمن لا تستطيع ننصحها باللجوء إلى الطب النفسي فسيساعدها حق المساعدة فالطبيب النفسي يحد تماما من التهوين أو التهويل في الموضوع وبحرفيه يستطيع وأد حالة الإحباط واليأس و البدء في الحل البديل و قبول المرير منه وسرعة التكيف
وعلى النقيض أيضا في العيادة النفسية أيضا شاهدنا زوجات يبعن أزواجهن لن أقول في أيام و لكن ثوان معدودة ويكثر هذا النموذج في الغرب عنه في الشرق وتصبح المصيبة مصيبتين و الثانية أكبر وأكثر عمقا و نفاذا فهذا عربي متزوج من أمريكية قبل أن يعود من العمل كانت زوجته حاملة لكل متعلقاتها و أثاثها و حتى أطفالها و تاركة له بيتا في العراء لا يملك حتى إيجاره و قوت يومه وأخرى تطلب الطلاق الفوري وثالثة تنقلب معها الصورة وتصبح هي الغير آمنه وتمر بمراحل الغضب و التوسل و الاكتئاب و المرض ويشفق الزوج عليها ويصبح عليه أن يهدئ من روعها ويهون من الأمر حتى لا تمرض ولكن أكثر نموذج يثير جزعي في العيادة النفسية هي الزوجة التي لا تستطيع أن تخفي ملامح التشفي في زوجها فترى نظرة العين القاسية الساخرة والتي تحمل معنى ربما في نظرها انتقاما من شيئا ما وتلجأ للغة التهكم و اللوم و العتاب و تزيد من انكساره أضعافا فربما لا تقوم لمثل هذا الرجل قائمة مرة أخرى إلا إذا تدارك أحدهم الموقف وتدخل بالعلاج المناسب للأزمة
النصائح لتجنب الأزمة النفسية؟
الوقاية خير من العلاج فالمفهوم الذي يجب ان ندركه ونحيا به هي إن الدنيا مقابل العليا أو العظمى و اتضح المعنى لمن عاشوها وخبروها ولم يطمئنوا لها فمنا من يحاول أن يوجد البديل بالأمان ولكن أيضا عرفنا من الدنيا أن لا شئ يبقى فالذهب يذهب و الفضة تفض والدينار نار و الدرهم يحمل الهم و البورصة وكساتها أعلى و أمر وهكذا .. فلا أقصد بتأمين الحال بحبس المال و لكن أقصد به بالفكر المستنير و الاستبشار بالخير فبشرى الابتلاء بنقص الأموال والأنفس و الثمرات قادمة من الله ” و بشر الصابرين” والمصيبة التي تصيبنا لنا و ليست علينا ” قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا” هذا لو كل منا وفى ما عليه و أخذ بالأسباب
دخلت يوما على صديق لي في منزله فوجدت جدد مكتبه وجعله غاية في الفخامة وكان السبب انه يتوقع خسارة وظيفته التي أفنى فيها حياته و يعد نفسه ليكون استشاريا يمارس العمل من المنزل إذا اضطر في غرفة مكتب أكثر أبهة وضحكنا معا
يتجه الكثير من الناس إلى العوءلة أي أن عائلة تتولى مشروعا معينا يستقطب فيه من يرغب من أفراد العائلة و يقف أمام بطالتهم ويتفرع إلى مشاريع عديدة وهذه فلسفة السوق للقرن الواحد و العشرين إن كل منا يكون مدير نفسه في يوم من الأيام أو على الأقل أن يعد نفسه لمثل هذا اليوم
وإذا لم تسنح لي فرصة الحياة لمثل هذا التكوين يجب أن أكون واقعي في التعامل مع مثل هذه المواقف و أكون سريع التكيف و أستعن بالله في البحث عن البديل الموفق الذي أراه خيرا حتما ولكن الخير مجهول عنا
رد الفعل؟
حتما البطالة الباعثة على الإحباط الشديد ستتسبب في كوارث اجتماعية فما أبأس من رجل لا يعمل ولا يجد ما يعمل به و يقتات لنفسه وذويه بل ويشعر بذاته وقدره وكذلك لا يوجد أسعد من رجل يعمل عمل يحبه و الصحة النفسية في العمل الموفق و القادر على العطاء و الحب و الإنتاج هو منتهى الصحة النفسية
حالات العدوانية من البطالة ليست غريبة عنا و لا حتى عن مجتمعاتنا الشرقية فرأينا أبشع جرائم القتل بعد تعاطي المخدرات لشاب بحث عن فريسة وقتل فتاتين لأن عمله المتوقف لا يكفيه و رأينا من توجه لنحر وتهشيم زوجته وأبنائه بعد لوثة عقلية من جراء خسارة مالية في البورصة وعلى هذا المعيار من الهوس سيكون هناك درجة من الهوس الأخلاقي في أدناه أي بلا أخلاق بالمرة و تدني سلوكيات اجتماعية غير مقبولة أو فرط أخلاقي متطرف وواعظ ومكفر للغير ونابذ ورافض لمن حوله بكل الوجوه وكلاهما يعزف عن الناس و الحياة الواقعية و ينسى إن الحياة الدنيا هي الجسر للحياة العليا وانه يجب عليه أن يسعى برفق و لين وانه ليس له إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى
وندعو الله ونسأله خير المسألة