schiz1للاستماع =

 




ما أقسى هذا الشيء؟

نعم أن مجرد سرد و كتابة بعض أعراض المرض بصدق و استعراض ما مر علي من مرضى لشيء غاية في القسوة و الشدة على الكاتب فما بالك على المريض نفسه و على الأهل الذين يعيشون معه و لم يكن مؤلما أي جزء من الكتاب بقدر هذا الجزء الذي يحاول فك طلاسم أعراض المرض و شواهده .. و لكن على الأهل مراعاة انه ليس بالضرورة أبدا وجود كافة هذه الأعراض في المريض الوحيد و أيضا شدة وطأة العرض الواحد مختلفة تماما من مريض لآخر ففي الكثير من المرضى تكون محتملة و غير ملحة و غير مستمرة أيضا … ولمزيد من الرحمة فبفضل العناية الإلهية للبشرية اصبح بمقدور العقاقير الدوائية و بجرعات بسيطة منها يمكننا الحد من كافة ما سيرد الآن إذا شاء الله ذلك.

 

السؤال الأول؟

أول ما يتبادر للذهن من الأهل ما هو هذا المرض؟ أنا أعرف انه حالة عقلية أو مرض عقلي و لكن ما هو! ..حتى المريض نفسه ينكر هذا التشخيص والتسمية لشعوره بالخوف و القلق من مجرد سماع الاسم ! وقد يصل الحد لأن يصاحب بعدوانية و إنكار لذلك. وفهم ماهية المرض و أعراضه يساعد الأهل و الأصدقاء في التعامل مع المريض و إدراك ما يدور و يحدث و بدون أي معرفة أو دراية بذلك سينعكس سلبيا على الأهل و المريض وخطة العلاج

ما هو ؟

الفصام مرض ذهاني يتميز بمجموعة من الأعراض النفسية و العقلية التي تؤدي إن لم تعالج في بادئ الأمر إلى اضطراب و تدهور في الشخصية و السلوك وأهم هذه الأعراض هي اضطراب التفكير و الوجدان و الإدراك و السلوك. و قد قتلت بحثا ممن كافة أنحاء العالم و المراكز المتخصصة و الجامعات و تم الاستدلال على علامات عضوية في الجهاز العصبي تظهر متأخرا من المرض و يرى كثير من خبراء الطب النفسي أن الفصام عدة أمراض مختلفة عن بعضها و يصعب توحيدها تحت اسم واحد وذلك لتباين و اختلاف الأعراض و النتائج من مريض لآخر.

مدى الانتشار

يصيب الفصام حوالي 1% من المجموع العام للشعب قد تصل في بعض الأحيان إلى 2-3% و هي نسبة خطيرة إذا أخذنا في الاعتبار أن يصيب الفرد في سن الشباب أي خلال فترة العمل و الدراسة مما يجعل الفصام مرض يؤثر من الناحية الاقتصادية و الاجتماعية … و هو يظهر بنسبة متساوية تقريبا في المجتمعات المتخلفة و المتحضرة و لكن يسهل تشخيصه و كشفة في المجتمعات المتحضرة بسرعة

.

وما هي أعراض المرض؟

كما سبق أهمها اضطراب التفكير و الوجدان أو الشعور و الإدراك و السلوك

للمشاهدة

وكيف يضطرب الإنسان في تفكير؟؟

 

التفكير هو أكبر نعمة من الله على البشر و هو ما يميز الإنسان عن سائر المخلوقات وله شكل حيث أن ترتيب الكلمات ذات المعاني يسفر عن مضمون فكرة ثم ترتيب الأفكار وتعاقبها يصل إلى هدف مقنع ومنطقي وهذه القدرة على ترتيب الأفكار يكتسبها الإنسان بارتقاء و نمو المخ من الطفولة إلى الصبا والشباب و الرشد و يبلغ الحكمة مع خبرة الكهولة و الشيخوخة… و لكن في مرض الفصام يصعب على المريض ترتيب أفكاره فالجمل متقطعة و غير مرتبة كطفل صغير لا يقوى على تجميع المحتوى و المضمون بطلاقة و قد تعني كل جملة للمريض شئ في نفسه و لكن المستمع و خصوصا غير القريب منه يجد صعوبة في فهم ما يصبو إليه المريض و الأمر لا يقف عند هذا الحد بل أن محتوى أفكار المريض نقسها تكون مشوشة و غريبة و يمتزج فيها الواقع مع الخيال و تنشأ ضلالات لا أساس لها من الصحة حيث ما يتوهم المريض مثلا انه متبع أو مراقب من قبل أحد أو مجموعات ( ضلالات الاضطهاد) و ترتابه شكوك فيمن حوله و كأنه يكيدون لإيذائه ( الشك) و يتوهم أن من بالطريق أو المدرسة أو الجامعة يطالعونه و لا يتوقفون من النظر إليه و انهم يشيرون إليه (ضلالات الإشارة) ويسعى جاهدا محاولا تفسير هذه الأشياء التي هو متيقن منها و غير قابلة للمناقشة أو الجدل لديه فيعجز و يزداد توتره وقد يؤول كل هذا إلى إحساسه بالقوة و السلطان (ضلالات العظمة) أو انهم يسيؤن فهمه و ينظرون له نظرة دونية.

التعثر الدراسي

.. لا انتباه… لا تركيز… و لا استخلاص … وتكون هذه الأوهام والضلالات محور اهتمامه و تفكيره طوال الوقت و يبدو عليه الشرود و عدم التنبه و صعوبة التركيز في الأمور الواقعية و يفقد القدرة على الاستخلاص للمعلومة abstract)) فمهما قضى من وقت على الكتب الدراسية يصعب عليه التلخيص و الحفظ … فتأتي أولى مشاكل الفصام .. تعثر دراسيا من كان متفوقا !! و أحيانا ينكر الأهل ذلك تماما ومعهم عذرهم فكيف من كان بالأمس ينال من شهادات التقدير و من ثناء المدرسين عليه نرجو له حتى مجرد النجاح في أحد المواد !! و يفسرون ذلك بالحساسية أو بمشكلة ما و اجهته بالمدرسة.

تفكير سريع و بطئ

وأيضا يشمل هذا الاضطراب في بعض الأحيان سرعة و ضغط في الأفكار و يشعر المريض انه في سباق دائم مع أفكاره أو يشوبه بطء شديد بحيث لا يستطيع ملاحقة أفكار و حديث من حوله وقد يصل في أسوأ صوره إلى توقف الفكر الكامل لبضعة ثوان (Thought block) أو يظن أن هناك من يستولي على أفكاره و ينزعها منه (thought withdrawal) أو على العكس هناك من يزرع الأفكار الغريبة أو الإلهام داخل عقلة (thought insertion) … وليس بالضرورة وجود كل هذه الاضطرابات في المريض الواحد فمنهم أيضا من يشعر بأن أفكاره هي المنقولة عبر الإتير في التليفزيون و الإذاعة (thought broadcasting). فقر الأفكار ..برقيات لكافة الأسئلة! بعد ما يتقدم المرض و يبعد المريض بعض الشيء عن اختلاطه بالناس و يفقد كثير من أصدقاءه و يعزف عن الحياة الاجتماعية و متابعة الصحف اليومية و الأخبار العامة تتآكل أفكاره تماما و يصبح ما يقوله كلمات محدودة؛ مقتضبة ؛ مكررة و مختصرة … ان شاء الله .. ربنا يسهل .. حاسس بتعب .. سأذهب لأستريح

وما معنى اضطراب الشعور و الوجدان …؟

الشعور و ما فيه من حزن و ضيق و فرح و سرور و بهجة يجب ان يكون مسايرا للموقف الذي يعيشه الإنسان و لا ينفصل منه ولكن مريض الفصام يكون في واد آخر فتراه يبتسم بدون داع و هي أيضا ليست ابتسامة من تذكر شيئا و لكنها خاطفة مع شرود و تبدو أحيانا بلهاء و تتكرر كثيرا و قد تصل إلى حدة التناقض فقد يسمع الأهل قهقهة المريض و هو بمفرده .. و قد تضطرب المشاعر بتبلدها فيصبح من الصعب التواصل مع الطبيب و بناء علاقة صداقة ويصعب الحوار معه من فرط جمود المريض و عدم تأثره أو انفعاله فتظهر عليه علامات اللامبالاة أكثر منها هدوء اضطراب الإدراك ..

من يشتمني؟

و المقصود بالإدراك هو فهم و تأويل المؤثرات الخارجية فإذا سمعنا صوتا أدركنا من أين يأتي و من صاحبه و ما المقصد منه و كذلك مع الحواس الأخرى كالشم و اللمس و التذوق وأيضا البصر.. ومريض السكيزوفرنيا يسمع أصوات (Auditory halluciations)دون مصدر فيخاف و يرتاب في بداية الأمر و قد ينكر حدوثها ويتجاهلها و لكنها يا للعجب حقيقية و ملحة … يتلفت يمينا و يسارا يفتح الأبواب و ينظر من الشرفة و يرقب من خلف الأبواب و تلمع عينيه باحثا عن مصدرها فلا يجد … والأصوات ملحة و ليست حميدة بل إنها تسبه :تلعنه؛ تحذره إذا اقترب منه الأب أو الأخ ” سيقتلك!!” … “اهرب منه” … “انه ليس أباك!”… و أصوات أخرى تضحك عليه و تسخر منه و تسفه من قدره و تتهمه بالشذوذ مثلا أو بالكفر و غيرها كثيرة تجعله في حيرة و بلبلة فيعتقد أن المخابرات تفعل ذلك أو أن الأجهزة الإلكترونية المعقدة تتجسس عليه و تبعث له بهذه الرسائل الشفرية قد يفزع منها و ينهار و يهرب من أي أحد يحاول الاقتراب منه و لكن مع مضي الوقت يعتاد عليها و يزداد ابتساماته لها و يتجاوب بالسب و اللعن لأشياء لا يراها الأهل

هلاوس … هلاوس

وقد يراود المريض أيضا يرى أشياء غير موجودة ممسوخة قد تتحور لأشكال بشرية تقلقه و تفزعه و أحيانا تطارده ويندر هذا العرض مع المرضى ومن الهلاوس أيضا الحسية أو الشمية فيشعر المريض و يجزم بشيء على جسده قد يكون مؤلما و أيضا يجزم برائحة دون أن يشاركه أحد هذا الإحساس !!

السلوك؟

لم يعد مريضنا هو ذلك الإنسان الهادئ الودود الذي تعودنه بل أصبح ينقلب على الحاضرين لأتفه الأسباب و أيضا بدون أسباب … أصبح يميل إلى العزلة و الانطوائيه في عالمه الغريب الخاص فقطع اتصالاته بالآخرين و انقطع عنه أصدقائه … أصبحت رأسه متململه و نظراته شارده يطالع أماكن أخرى و هو يتحدث إليك .. نادرا ما تتلاقى عينيه معك .. يقطب عن جبينه ثم ينفرج ثم يبتسم ليمط شفتيه ليحك رأسه و لا يفسر ولا يرد .. هجر الأصدقاء ليجلس بالبيت ثم ترك صالون البيت و لم يعد مضيافا ليتقوقع بغرفته ثم ترك الغرفة ليرقد أغلب يومه في فراشه ليختبئ داخل فراشه و يتلحف به و كأنه ارتد إلى الرحم مره أخرى ليكون هامشيا في الحياة !

أين إرادة البشر!

غريب هذا المرض على مرور السنوات يسلب من المريض طموحه و إصراره و عزيمته على الوصول إلى هدف ما بعد ما كان يتحدث و ينجز مشاريع قصيرة و طويلة الأجل لكن الآن لا يتعدى طموحه مجرد اهتمام باللسان فيتحدث عن الإنجاز الدراسي بكلمات قصيرة انه مهتم بالدراسة و يريد التفوق و سيذاكر من أجل ذلك و لكن لا شئ من هذا ينفذ و إذا ضغط عليه الأهل يقول لا أقوى على التركيز و معه الحق .. قد يتحدث عن أي شئ و لكنه لا يفعل أي شئ .. و إذا بدأ فلا يكمل و إذا أكمل فلا يستمر و ينظر للأهل بجمود و عدم انفعال و لا مبالاة .. أي إن تسلب منه إنسانيته الهندام لا لم يعد أنيقا مهندما فثيابه غير مرتبة .. و لا يهتم و لا يلتفت إلى ترتيب نفسه و يعود كالطفل في حاجة إلى رعاية حتى في ترتيب ملابسه له .

النظافة و الرعاية

تبدو و كأنها إهمال في نظافة ذاته فلم يعد يتحمم تلقائيا إذا شعر بالحاجة لذلك ربما لأنه أساسا فقد القدرة على الشعور بذلك و الأعقد إن مجرد تذكيره لم يعد يكفي بل يجب لفت نظرة عدة مرات وأمره بذلك ومساعدته في أخذ حمامه و مدحه و مكافأته بعد ذلك .

 

للمشاهدة

 

سيطرة خارجية

هل الأمر يقف عند هذا الحد كلا هناك مزيد من التعقيد قد يشعر المريض بأنه مسيطر عليه من قوى خارجية تحركه و توجهه وتقع هذه الأحاسيس تحت إطار اضطراب الأفكار و لكنه يشعر بها تماما و يتيقن منها و هو فكر و شعور غاية في الألم و كيف يفسره المريض إلا انه يتم من خلال سحر أو ليزر أو جهاز إلكتروني موجه فحركاته لم تعد تحت تصرفه و مسئوليته انه محرك عن بعد أو بالريموت كنترول !!

ولدي تخشب و لا يتحرك

نعم بعضهم يصاب بحالة من التخشب لبعض الوقت و كأنه خلل بالسيطرة على الجهاز العضلي و هو في هذه الحالة يعي تماما ما يدور حوله و يتذكر كل شئ و إن كان يبدو غير ذلك وقد تنتابه أيضا نوبة هياج و عنف مفاجئة أو على العكس سلبية وانعكاس فعلي لكل ما يطلب منه فإذا سئل الجلوس وقف و العكس أو يأتي بهذا الثبات المستمر لفترة من الحملقة بعينيه في اتجاه معين أو الرخاوة المتناهية في عضلاته بحيث إن يصل الحد إلى إن تستطيع تشكيلها و كأنها شمع بين يديك و يبقى على ذلك بعض الوقت.

 

Published by Dr.Adel Serag

Dr. Adel Serag is a senior consultant psychiatrist , working clinical psychiatry over 30 years.

Leave a comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *